في عام 1798 كان القس الانجليزي توماس روبرت مالتوس قد نشر كتابه (( مقال عن السكان )) . كانت الفكرة المحورية للكتاب هي أن العشيرة تتزايد في العدد أُسياً ، وستنتهي بالضرورة إلى أعداد لا يكفيها المتاح من الموارد الغذائية . فإذا عجز الآباء عن تحديد حجم عائلاتهم ، فإن الحروب والمجاعات ستقضي على الأعداد الزائدة ، فالجزيرة البريطانية مثلا لا يمكن أن تحمل أكثر من عشرين مليون شخص ( بعد مائة وخمسين عام كانت تحمل ثلاثة أضعاف هذا العدد ) . مع زيادة أعداد البشر سيندلع الصراع من أجل لقمة العيش وينتصر فيه من يحمل ميزات معينة ينقلها إلى نسله ليسود هذا بدوره أكثر وأكثر . قال اليوجينيون أن هذا كان وراء حدوث التطور وأنه كان وراء وجود النبلاء وأساتذة الجامعات والطبقة الأرستقراطية ، أما عن الميزات الوراثية فقد رأوا أن اولها وأهمها هو (( الذكاء )) . (( إن المحور الأساسي للسلوك الانساني )) كما يقول هنري جودارد عام 1919
(( هو العملية الذهنية المتكاملة التي نسمهيا الذكاء ...وعلى هذا فإن أية محاولة للتعديل الاجتماعي لا تضع في اعتبارها أن صفة الذكاء صفة جبرية وان درجة ذكاء الفرد لا تتغير ... هي محاولة غير منطقية وغير كفؤ )) .
ابتكروا للذكاء المقاييس وراحوا يجرون ابحاثهم ليؤكدوا أنه صفة عالية التوريث - وإن كانوا (( يعرفون )) مقدما أن (( القدرة الذهنية تورث ...أن البراهين على هذا براهين حاسمة ))... فقد قالها اليوجيني سيريل بيرت عام 1911 ، ثم إنهم درسوا معامل الذكاء وعلاقته بالجريمة والعنف ، ليتأكد لهم
(( أن العالم يحتاج إلى سيادة الجنس الأبيض ))
وكان المنظّرون الاجتماعيون بالقرن التاسع عشر ، وعلى رأسهم هربرت سبنسر قد أكدوا أن الفقراء بطبيعتهم لا يستحقون ، وأن الواجب أن لا نشجع بقائهم أو بقاء نسلهم . وعلى عكس داروين الذي يقول إن (( الأصلح )) هو الذي يترك نسلا أكثر ، سنجد اليوجينين يرون أن الأصلح هو المتميز في الذكاء والصحة والأخلاق الحميدة ، وهو - بالطبع - من يشبه اليوجيني الذي يضع معايير الصلاحية
ثمة كاتب فرنسي أرستقراطي اسمه آرثر كونت ده جوبينو ، نشر في منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر كتابا عنوانه (( مقال عن التفاوت بين سلالات البشر )) ، قال فيه إن الارستقراط الآريين الشقر كانوا دائما ((زهرة أوروبا )) ، ولكنهم فقدهم قوتهم بالزواج من السلالات الأدنى . أهمل الفرنسيون الكتاب ، لكن الالمان احبوه .
أعيدت الحياة مرة أخرى إلى الكتاب ، وأنشأ عشاقه (( جميعة جوبينو )) عام 1894 ، في عام 1899 نشر انجليزي يحمل الجنسية الالمانية اسمه هوستن سيتورات شامبرلين ، كتابا عنوانه (( قواعد القرن التاسع عشر)) استلهم فيه جوبينو وقال أن الالمان هم أنقى الآريين ، هاجم فيه السود واليهود . وعندما كتب هتلر كتابه (( كفاحي )) يشيد فيه بالألمان ويزكي اليوجينيا ، كان في واقع الأمر يكرر ما قاله شامبرلين إنما بصورة فصيحة مؤثرة
على مطلع القرن العشرين إذن كان المناخ الفكري قد تهيأ لكي تتحول يوجينيا جالتون إلى سياسة . كان قانونا مندل للوراثة قد أعيد اكتشافهما وأنهمك العلماء في حمية يجربون ، لتكتشف نتائج وآفاق في علم الوراثة جديدة ، بينما الفلاسفة يعضدون ويُنظرون ، ورجال المال يمولون .ربما كان لنا أن نقول أنه مع بداية القرن العشرين بدات (( الحرب )) اليوجينية حقا في الولايات المتحدة والمانيا وانجلترا والسويد والدانمارك وفنلندا . ولا بد لقيام حرب من وجود :
عدو ، وسلاح ، وهدف ، ومثال أعلى .العدو هو المتخلفون وراثيا ، الفقراء ( فالفقر عند اليوجينين صفة وراثية ) ، المعتوهون والمجانين ، مرضى الصرع والدرن الرئوي ، المقعدون ، المنحلون ، الشواذ ، المومسات المحترفات ، المجرمون بالفطرة ، السكيرون ، ثم الملونون والمهاجرون من السلالات الأدنى - كل من يلوثون المستودع الوراثي للسلالة . السلاح هو : التعقيم القسري ، والحد من زواج المتخلفين ومنعه ومنع الحمل ، وإلاجهاض ، بل والقتل إذا لزم الأمر .الهدف هو : توفير الحياة الرغدة الكريمة ، للرجل الأبيض الذكي فلا يزاحمه فيها ، من لا يستحق .
المثال الأعلى : السلالة النقية الذكية الأقوى ، فالأقوى كما يقول هتلر لا بد ان يسود على الاضعف ، لا يمتزج معه حتى لا يضحي بعظمته و (( لن يجد في هذا قسوة إلى الضعاف )) .
الحرب ضرورية (( للتخلص )) من البشر المتخلفين ، كما يقول اليوجيني الكبير كارل بيرسون : (( إن اعتماد التقدم على البقاء للسلالة الأفضل ، رغم ما قد يبدو به من شر فظيع ، إنما يعطي الصراع من أجل البقاء ملامحه المبتغاة . إذا توقفت الحروب ، فلن يتقدم جنس البشر : لن يكون هناك ما يكبح جماح خصب السلالات المتخلفة )) .
أصبح القتل والوحشية سلاحا . والقسوة أيضا : (( الإحسان لاطفال غير الأكفاء نقمة قومية لا نعمة . إن تدابير مثل الحد الأدنى للاجور ، وتحديد ساعات العمل ، والطب المجاني ، وانخفاض وفيا الاطفال ، إنما تشجع البطالة والمتخلفين وضعاف البنية والعقل )) .
فليذهبوا جميعا إلى الجحيم في سبيل الهدف اليوجيني الأسمى أفكار اليوجينا تقوم على الفرض بأن الناس ليسوا بطبيعتهم متساويين ، أما الديموقراطية الغربية فترتكز على الفرض بأن كل الناس متساووين . ( من الصعب إن أن ننفذ اليوجينيا في مجتمع ديموقراطي ) كما يقول برتراند راسل (( فالديموقراطية تعترض الطريق )) .
والترويج لليوجينيا إنما يتضمن تقويض الديموقراطية وصناعة (( نخبة )) عارفة تخطط وتنفذ . ومثل هذا الهدف لا يمكن إذن ان يتحقق في مجتمع ديموقراطي إلا عن طريق الخداع والقهر ...وأموال أثرياء يرفضون الديموقراطية ، (( فطالما كان هناك من الأثرياء من يعدم مشاريع اليوجينيا ، فستبقى اليوجينيا )) .
مضت اليوجينيا .. إذن في طريقها بسياستها غليظة القلب ، بالخداع وبالقهر . الفرد لا يهم ، السلالة هي الاهم ... السلالة المتخلفة لا تهم ، سلالتنا هي الأهم .وانتشرت تعاليمها ، آمن بها الكثيرون ، سنت القوانين لتدعهما ، دخلت إلى مناهج التدريس بالجامعات ، صدرت لها المجلات العلمية ، انئت لها الكراسي بالجامعات ، عقدت لها المؤتمرات الدولية ..والمحاضرات العامة ...، وعُقم باسمها مئات الالوف بطرق اتسمت بالوحشية والبربرية : أكثر من 160 ألف بأمريكا ، واكثر من ربع مليون بالمانيا النازية التي بدات التعقيم بعد أمريكا بسبعة وعشرين عاما .قُتل عشرات الألوف .ربطت بالنازية ، فلما انتهى عهد هتلر ، أختفت اليوجينيا بعد كل ما جرته على البشريه من دمار ، بعد أن اهدرت كرامة الانسان .
جُرحت اليوجينيا .... لم تمت
سقطت اليوجينيا ....، ولم يسقط اليوجينيون إلى هنا اتوقف ... وإلى هنا أتمنى ان تكونوا وصلتم بقراءة متأنية لما بين الحروف ... على الأقل لنعرف ماذا يخطط لنا الغرب ...وماذا يخطط للعالم الرجل الأبيض... البعض سيقول ها قد انتهت اليوجينيا كما قلت ....ولكنها ما زالت في العالم ... وإنما تحت مسميات مختلفة .... كما سمى القرن الواحد والعشرين الاحتلال ..حرية .... والذل والعبودية .... شرف وانتصار ... فإنه اطلق على اليوجينا اسماء آخرى ....و.....
نكمل البقية في حديث آخر ....
الباشا__________________
* * * * * * * * * * * * *
لم نعد نخشي السقوط فلم يعد تحتنا تحت