ويا له من إغفال أو استبعاد له مغزاه ، فمنذ الكلمات الأولى الرسمية التي نطق بها استبعد الإسلام والمسلمين ، ولا ندرى في أي فئة وضعهم في ذهنه : من ضمن المؤمنين ، أو غير المؤمنين .. ولا غرابة في ذلك فقد سبق للفاتيكان أن وضع الإسلام عام 1965 مع الديانات الآسيوية ، في وثيقة "في زماننا هذا" الشهيرة لاستبعاده عن رسالة التوحيد !
وإن كان لهذا الخطاب الافتتاحي أي معنى ، فهو يشير بوضوح إلى موقف البابا المتعمّد العداء للإسلام ، كما يشير إلى أن الإسلام والمسلمين ليسوا مستبعدون فحسب تماما من تلك المسيرة المشتركة بين الصهاينة والفاتيكان وإنما يعمل الفريقان معا على اقتلاعهم ، وبالتالي فإن الآثار الإسلامية الموجودة في فلسطين ، وخاصة في مدينة القدس ، وأهمها المسجد الأقصى ، لا مكان له في تلك الجريمة المشتركة .. ولا غرابة في ذلك أيضا ، فالسيد بنديكت السادس عشر كان قد نشر بحثا ، قبل توليته منصب البابوية بثلاث سنوات ، يتناول فيه السيدة مريم و الإيمان المريمي ، وقد أطلق عليه عنوان : " ابنة صهيون " !!.. ولعل ذلك يكشف عن سبب انتخابه.
وهذا التحالف الحالي بين الفاتيكان و الصهاينة ، الذي بدأ بتبرئة اليهود من دم المسيح ، ثم بالاعتراف الرسمي والدبلوماسي بدولة إسرائيل ، هو بمثابة تحالف غير شرعي من الناحية الدينية ، فوثيقة " التبرئة " لم تعتمد على أي نص كنسي سابق ، كما هي العادة في مختلف النصوص لأنها تخالف الخط التاريخي لها، بل كفّت حتى عن احترام ذلك "العهد" الجديد الذي تقول إنها بموجبه تعتبر الكنيسة نفسها "شعب الله المختار الجديد" بدلا من اليهود ! بل راحت الوثيقة تقر باستمرارية العهد الخاص باليهود !.. والفاتيكان ، بذلك الاعتراف ، يعتدي شرعا على لعنة أحلّت بهم لعدم اعترافهم "بربنا يسوع" – كما يقولون ، و يعتدي على لعنة أنزلها الله عز وجل باليهود لابتعادهم عن رسالة التوحيد ورجوعهم إلى عبادة العجل وقتل الأنبياء ، فتم هدم المعبد سنة 70 م ، وفُرض عليهم الشتات ولم تقرب البقية الباقية منهم أرض فلسطين بعد ثورتهم الثانية ضد الرومان عام 135 م ..
إن ما تناسته المؤسسة الفاتيكانية أن المسيحية انبثقت من بترها عن اليهودية ، لأن رفض اليهود لرسالة يسوع ، الذي لم يأت إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة (متى 15 : 24 ) قد أدى إلى إعادة صياغة النصوص والخروج بدين لا يعرف عنه يسوع أي شيء.. وإن الاعتراف بالسلطة الدينية اليهودية يعنى أنه لا حاجة لوجود تلك المسيحية !. ويا لها من بداية انتقام رهيب ..
ولا يمكن لمثل هذه المؤسسة العاتية ، التي فرضت عقيدتها بالسلاح والقتل والاقتلاع ومحاكم التفتيش والتعذيب والحروب الصليبية والدينية والتعتيم وليّ الحقائق وتحريف النصوص ، وكلها حقائق باتت تملأ الكتب والمراجع بل والمجلات العلمية وغيرها، لا يمكنها أن تتنازل طواعية عن كل ما شيدته بمثل ذلك العنف الدامي على مدى ألفي عام تقريبا ، أو أن تتنازل بمثل هذه البساطة ، إن لم يكن هناك ما هو أقوى وأعتى منها ومن جبروتها . وهو ما تناولته بالتفصيل في كتاب "المساومة الكبرى ، من مخطوطات قمران إلى مجمع الفاتيكان الثاني".. المطبوع في قطر ومنعته الرقابة في القاهرة !.
وإذا نظرنا من ناحية الصهاينة ، لوجدنا أن إنشاء دولة لا يمثل في الواقع نهاية المطاف وإنما مجرد بدايته.. فما يرمون إليه تحديدا هو استعادة مكانتهم كشعب الله المختار – تلك المكانة الدينية التي سلبتها الكنيسة إياهم .. وذلك لا يتأتى إلا "بإقامة سلطة دينية يهودية جديدة في القدس "– على حد قول جيرار إسرائيل في كتابه المعنون : "المسألة المسيحية.. فكرة يهودية عن المسيحية". وهذه السلطة الدينية اليهودية الجديدة في القدس لا تتأتى إلا بهدم المسجد الأقصى وإقامة المعبد – بغض الطرف عن كل ما واكب تلك المسيرة الانتقامية من تحريف للنصوص الدولية والتاريخ بل ولحكم الله عز وجل وقضائه..